بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد :
خاطب الله سبحانه وتعالى بنى آدم معرفا لهم عن نفسه من خلال ما خلق في الكون من اثأر، يستدل بها عليه عن طريق المشاهدة والعقل، والتي تدل جزما على وجود خالق ذو شآن عظيم مدبر لهذا الكون، ثم من خلال رسله وأنبياءه على مر العصور والأزمان، وضرب لنا سبحانه وتعالى القصص والأمثلة من خلال ما انزل على رسله في الكتب السماوية عن تلك الأمم، وذكر لنا خبر من آمن منهم وانقاد لأمره ممن سبقت له العناية وهبت عليه ريح الهداية ومن كفر. وبلغ من عظمته سبحانه وتعالى أن ذكر لنا في قرآنه الكريم، رأى وقول الطرف الآخر المشاكس والمعاند الكافر الرافض للإيمان والتوحيد والإقرار لله بالعبودية، فذكر لنا في كتابه العزيز ما قاله النمرود لنبي الله إبراهيم u، وما قاله فرعون لنبي الله موسى u، ثم ما دار من حوار بين بعض من ذكرهم تعالى لنا من الأنبياء والأمم التي بعثوا بها، ثم ختمها ذلك بما دار بين رسولنا r وبين من بعث فيهم. ومبينا أيضا لنا سبحانه بداية خلقه لآدم بيده، وأمره لملائكته بالسجود له وتكرر الأخبار بسجودهم لآدم u بأقوال متفرقة سجود انحناء وتعظيم وتكريم لما خلق الله تعالى بيده وليس سجود عبادة .
ثم وجه سبحانه خطابه للناس كافة بقوله تعالى : يا بنى آدم . وقوله : يا بني آدم هذا خطاب لجميع الأمم، أم تراه أراد الرجال دون النساء ؟ بالطبع لا، فإن كل امرأة بنت آدم كما أن كل رجل ابن آدم . اذاً فالخطاب متناول للكل ، خطاب عام للناس كافة وإيرادهم بهذا العنوان مما لا يخفى سره .
وهو كما قيل: هو من باب إرخاء العنان وبعث المخاطب على التفكر في أمره وشأنه لينصف من نفسه ويذعن للحق. {كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} . وخاطب الله جل ثناؤه أمة محمد r بقوله: (يابنى آدم) وقال: (يا بني إسرائيل) يخاطب بذلك من في عصر النبي e منهم .
وجاء عن ميمون بن مهران قوله: ما كان في القرآن يا أيها الناس ويا بني آدم، فإنه مكى .
وقال احمد بن محمد بن عجيبة الحسني : إذا توجه الخطاب إلى طائفة مخصوصة، حمله أهل الفهم عن الله على عمومه لكل سامع، فإن الملك إذا عاتب قوما بمحضر آخرين، كان المراد بذلك تحذير كل من يسمع .
فكأن الحق جل جلاله يقول: يا بني آدم، اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وتفكروا في أصولها وفروعها واشكروني عليها بنسبتها إلي وحدي، فإنه لا منعم [عليكم] غيري، فمن شكرني شكرته ومن فيض إحساني وبري مددته، ومن كفر نعمتي سلبته وعن بابي طردته، فأوفوا بعهدي بالقيام بوظائف العبودية أوف بعهدكم بأن أطلعكم على أسرار الربوبية .
وقال ابو الفرج عبد الرحمن بن على الجوزي: الخطاب في القرآن على خمسة عشر وجها: خطاب عام {خَلَقَكُمْ} وخطاب خاص{أَكَفَرْتُمْ}، وخطاب الجنس {يَا أَيُّهَا النَّاسُ}، وخطاب النوع {يَا بَنِي آدَمَ}، وخطاب العين {يَا آدَمَ}، وخطاب المدح {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، وخطاب الذم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا}، وخطاب الكرامة {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ}، وخطاب التودد {قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ}، وخطاب الجمع بلفظ الواحد {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ}، وخطاب الواحد بلفظ الجمع {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ}، وخطاب الواحد بلفظ الاثنين {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ}، وخطاب الاثنين بلفظ الواحد {فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى}، وخطاب العين والمراد به الغير {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ}.
وخطاب التلو وهو ثلاثة أوجه أحدها : أن يخاطب ثم يخبر، {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ}، {اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُون}، {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ} .
والثاني : أن يخبر ثم يخاطب، {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ}، { فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً}، {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً} .
والثالث : أن يخاطب عينا ثم يصرف الخطاب إلى الغير، {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً*لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}. وصلي الله وبارك على سيدنا محمد وآلة وصحبه وسلم ..
هِـلاَلَ مُحَمَّد الْعِيسىَ
***
خاتمة الكتاب :
تم الكتاب بحمد الله في يوم الأربعاء الموافق السادس من شهر ذو الحجة من عام ألف وأربعمائة وأربعة وثلاثين من هجرة المصطفي عليه السلام. الموافق الحادي عشر من شهر أكتوبر لعام ألفين وثلاثة عشر ميلادية ..
(18) حجم وسط عدد الصفحات 165 |
فهرس |
|
ما جاء من أقواله تبارك وتعالى في القرآن الكريم مخاطبا خلقه من بنى آدم . |
|
ما جاء في تفسير بعض الآيات المتعلقة ببنى ادم . |
|
ما جاء في الأحاديث القدسية عن بنى آدم . |
|
ما جاء في أحاديث رسول الله r عن بنـى آدم . |
|
يا بن آدم : نصائـح ومواعــظ عبـــر وعــتاب . |
***