بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا الأمين .
هذا كتاب اخترت مادته من بحور شتى، مما حوته بطون كتب التراث والتراجم والسير من الظرائف والطرائف المضحك منها والمبكى، السعيد والحزين، عما جاء في البيض والسمر من أقوال وأشعار، فتعال معي أخي القارئ نستمتع معا ببعض ما تضمنته كتب الدين والحديث والتراث والشعر والأمثال، وما كشفت لنا عنه الليالي والأيام .
ولقد أردت لهذا الكتاب أن يكون على غير الوتيرة المعتادة من الكتب. فالقصة قد تعقبها الطرفة، والموعظة يليها النفاق، فالغزل فالحزن، بحيث يُبحر القارئ فلا يشعر بالملل. ولقد بدأت العمل عند جمعي لمادة هذا الكتاب متوخيا الاختصار فيه قدر الإمكان، والتزمت بالتحقيق الدقيق للنصوص وسبر أغوارها وذلك بمراجعتها على أكثر من مصدر عند الضرورة، وقمت بجمع نصوص الموضوع الواحد المتفرقة فى المصادر، بقدر الإمكان بتصرف لا يخل بالنص الأساسي والجوهري لمضمون النص نفسه مع الإشارة للمصادر الأساسية المستقى منها النص، ووجدت أن بعض المواد المذكورة قد تكون بها بعض الكلمات الناقصة أو الساقطة من الطباعة فى الأصل، أو لم تضف، فأضفت من عندي عند الضرورة ما يساعد على زيادة التوضيح دون الخروج عن الإطار العام للموضوع، ولم أتدخل بحذف أو إضافة إلا إذا استدعى السياق العام ذلك، فما جاء بين [ ] فهو إضافة منى عند الضرورة إذا اقتضى سياق النص ذلك أو أحببت أن أضيف جديدا على رأى غيرى مع تقديري له، و[[ ]] فهو للانتباه إلى أن بينهما نصاً قد أدخلته بمرجع مستقل عن المرجع الأصلي. وخرَّجت الآيات القرآنية فأعدتها إلى سورها وأرقامها، وخرَّجت الأحاديث النبوية، وشرحت ألفاظها وقرَّبت معانيها مستعينا بالمعاجم وكتب اللغة والأدب وعزوت ما جاء من أبيات شعر وقصائد إلى قائليها، وعلقت وأضفت على بعض القصص عند الضرورة لذلك، ووثَّقت نصوص الكتاب قدر الإمكان بذكر من رواها أو رويت عنه أو أشار إليها .
والله من وراء القصد .
هِـلاَل مُحَمَّد الْعِيسى
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله r، هذا كتاب قد سبقني آخرون إلى الحديث في موضوعه، وكان آخر العهد بذلك، منذ ما ينوف عن خمسمائة عام .
وكان المبادر إلى ذلك عمرو بن بحر الجاحظ (150ــــ 255ه) وكان أسود اللون، فألف كتاب( فخر السُّودان على البيضان)، أبرز فيه فضائل السود ومحاسنهم وصفاتهم الإيجابية، مظهرا وموضحا دور السود الإسلامي، وتقدير النبي r والصحابة لهم، وبيّن تقواهم ودورهم في تاريخ انبعاث الإسلام، فذكر عنهم ما سمع من أقوال وأحاديث ومحاورات ومناظرات، حتى إنه ذكر ما رُوي عنهم من نوادر .
ثم أتي أبو العباس عبد الله بن محمد النَّاشئ وهو من أئمة المعتزلة (ت 293 هـ)، بكتابه (تفضيل السُّود على البيض)، وقيل: إنه ألفه بسبب خلاف رجلين أسود وأبيض. وكانت العاقبة أن اتهم بالجنون والهوس، ووصف السيوطي هذا التفضيل بمن عمل مفاخرة، بين الذهب والزجاج .
وتبعهم بعد ذلك، أبو بكر محمد بن حلف بن المرزبان (ت 309 هـ)، في الحقبة نفسها تقريبا برسالة (فضل السودان على البيضان). ولا يستكثر منه ذلك، فإنه قد ألف كتاب (تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب)، فمن فضّل الكلاب على بنى آدم، لا يكثر عليه أن يفضل السود على البيض .
ثم أتى الإمام السيوطي (ت 911هـ ـــــ1505م)، بكتابه (رفع شأن الحبشان)، وأعقبه برسالته الأخرى (أزهار العروش في أخبار الحبوش)، ثم برسالة ثالثة بعنوان (نزهة العمر في التفضيل بين البيض والسود والسمر). وقد زاد السيوطي عن سابقيه، بأنه قد أحصى ما يقارب العشرين لفظاً عربيا ذات أصول حبشية وردت في القرآن الكريم .
ثم أدلى أبو الفرج عبد الرَّحمن بن الجوزي (ت597هـ ـــــ1193م)، بدلوه فألف كتابه ( تنوير الغبش في فضل السُّودان والحبش) .
ثم أعقبهم محمد عبد الباقي البخاري (ت991هـ ـــــ1587م)، برسالة باسم (الطراز المنقوش في محاسن الحبوش)، اعتمد فيها على كتاب (أزهار العروش) للسيوطي .
ثم أعقب هؤلاء جميعا: هلال محمد العيسى (1440هـ ـــــ 2019م )، بكتابه هذا، الذي جمع به أجمــل وأرق وأطرف وأصدق ما حوته وما جمعه السابقون في تلك الكتب السابقة، مضيفا إليها ما استجد في ذات الأمر، فكان جمع وإعداد هذا الكتاب بحمد الله .
ولقد حرص الجميع في كتبهم ورسائلهم التى ذكرناها على ذكر فضائل السود، وإظهار أفضل ما لديهم وإظهار الدور الكبير لهم. واجتهد كلٌّ منهم في إثبات صحة وجهة نظره. ثم أعقبتهم، كتب، كان الهدف والغرض منها أيضا، الدفاع عن السود وإظهار فضلهم وما لهم مِن دور في شتى المجالات. ومحاولة التفضيل بين السمر والبيض، فخاضوا بسبب ذلك في كلام كثير بداية بالقرآن، ومرورا بالسنة المطهرة، ثم بالقصص والأشعار، فمن قائل بتفضيل السمر مطلقاً، ومن قائل بتفضيل البيض على كل حال .
وذهب آخرون إلى الوسطية بين الاثنين فقالوا: إن كلاً قد يميل إلى لونه أو إلى عكس لونه، وهذا الأمر تحكمه الطبائع والأمزجة والتجربة وحسن الألفة والمعشر، بلا دليل واضح وصريح، وإنه قد يكون الميل بداعي الشهوة أو المنفعة. ولا ضابط لهذا الأمر لاختلافه باختلاف الأشخاص، فلكلٍّ راية .
فاعلم أنه يمكن الكتابة عن اللون الأبيض ملفاً متكاملاً، ويمكن الكتابة عن الأسود ملفاً كاملاً متكاملاً أيضاً، فهذان اللونان يدخلان في تفاصيل كل شيء في هذه الحياة. فأحدهما كناية عن النور والآخر هو تمثيل لغياب النور. ثم إن اللون الأبيض تتشكّل منه جميع ألوان الطيف، بينما يمتص الأسود الألوان الأخرى أو يغيِّر طبيعتها إذا ما أُضيف إليها. واللونان هذان يمكن لكل واحد منهما أن يعيش ويتواجد وحده، فهما لونان يتكاملان في صور كثيرة، رغم التناقض الذي قد ينطوي على العلاقة التي تجمعهما .
وأنا هنا أعرض للأبيض والأسود بتناقضهما وباتصالهما وتوازيهما، وفي اشتراكهما بصناعة عالم الألوان، وتداخلهما في عوالم الحياة بتفاصيلها. فلطالما عُومل الأبيض والأسود كلونين نقيضين ونُظر إليهما كضدين، فالأبيض هو ألوان قوس القزح عندما تجتمع، والأسود لون واحد مسيطر يمتص سائر الألوان، أو يكون حيث ينعدم الضوء نفسه، وطوال التاريخ المعروف للبشرية بكل ما فيها من ثقافات وحضارات، كان يتم إسقاط هذين اللونين على أمور وأشياء لا حصر لها، بدءاً بالخير وكذلك الشر، والليل والنهار، والعدل والظلم، إلى السعادة والحزن، والغِنى والفقر، والكراهية والحُب، إلى الحياة والموت. وكأن نهاية الأبيض هي بداية الأسود أو العكس، أو لكأنهما رغم كل تناقضهما يكملان بعضيهما، فلا ضوء بلا عتمة، ولا ظل بلا شعاع، ولا سواد مطلق ولا بياض مطلق .
وقالوا: إن حرارة الأبدان تختبئ في السود للمبرودين أفضل، والبيض للمحرورين كذلك. وأن الحبشة ألطف مما عداهم من السود مزاجاً، وأرق بشرة، وأعدل حرارة في حرارة أجسامهم، فلذلك هن أوفق. وإنه ليس للنساء السود من الصفات المستحسنة ما يمتزن بها، إلا كثرة الريق ونقاء الثغور وحرارة الفروج وصغرها، وبهذه الصفات أصبحت المرأة السوداء، موضوعا للوصف والاشتهاء، رغم ما غلب عليهن من الصفات المذمومة، كتشقق الأطراف والشفاه، وصغر الفروج ونتن العرق وشراسة الأخلاق. علما بأن هناك منهن من هن سالمات من هذه الصفات المذمومة جمعاء .
إن صورة السود في المتخيل العربي، قريبة جدا مع صورة السود في المتخيل الغربي .
لذا أحب أن أشير إلى أن لكل أمة محاسن ومساوئ، ولكل قوم فضائل ورذائل، فالخيرات والفضائل والنقائص مفاضة على جميع الخلق فلا كمال لبشر. وكتابي هذا هو نقل بعض ما ذكره السابقون عنهم، مع إضافة ما استجد من أقوال، وذكر لأجمل وأرق القصص والأشعار ونوادر الطُّرف والأخبار، محاولا مسك العصا من الوسط فلا أرجح إحدى الكفتين على الأخرى وأترك ذلك للقارئ .
لا شك أن اللون الأسود يحتفظ في حياة البشر بدلالات سلبية ثابتة، تتمثل في الخطيئة والسقوط والشؤم والكآبة والقلق والإحباط، وهي دلالات يكتسبها السواد من اقترانه بالظلمة والغراب، ودلالتهما على الشؤم والموت والفناء. واستشهد من أراد النقيصة، بأمور ثابتة في أن اللون الأبيض، مستشهد به في الكتب السماوية بالخير، وأن اللون الأسود مستشهد به بعكس ذلك، فالجنة لونها الأبيض - جعلنا الله من أهلها، ولون جهنم والعياذ بالله الأسود- باعد الله بيننا وبينها. هذا بجانب أن وقد مُلئت كتب التراث الديني والتاريخي بهذا التصور إلى يومنا هذا، وتلك نظرة شملت حتى المجتمعات الأوروبية لذا فالسواد يحتفظ بداخله بدلالات رمزية مرتبطة في الغالب بالشؤم والخطيئة والشر .
ومن المجازيات في اللغة أيضا: عبارة سواد الوجه وتنويعاتها، وأسود الوجه، وسُود الوجوه، وسوّد الله وجهه كما في مقابلها الإيجابي: بياض الوجه، وبيض الوجوه، وبيّض الله وجهه .
وفي مجازيات القرآن الكريم في أربعة مواضع :
الأول: في سورة آل عمران، وصف تعالى حال الذين كفروا بعد إيمانهم يوم القيامة { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }. سورة آل عمران الآيات 106/107 ..
فالوجوه السود محجوبة عنه والوجوه البيض الناضرة ناظرة إليه. ثم إن النبي r لخّص لأصحابه هذه الحالة فقال: إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمــر ليلة البدر، لا تضامون ولا تضارون في رؤيته. التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية ج 1 ص 157..
والموضع الثاني : في سورة الزمر، حين وصف حال الكافرين، الذين كذبوا على الله فهم كالمرتدين يوم القيامة { وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ }. سورة الزمر آية 60.. يخبر تعالى عن يوم القيامة أنه تسود فيه وجوه وتبيض فيه وجوه، تسود وجوه أهل الفرقة والاختلاف مما أحاط بهم من غضب الله ونقمته. وتبيض وجوه أهل السنة والجماعة .
والموضع الثالث : في سورة النحل، حين وصف حال الجاهل الذى لا يتورع عن نسبة الإناث إلى الله سبحانه وتعالى { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ }. سورة النحل آية 58.. مسودا وهذا صنيع مشركي العرب، أخبرهم الله تعالى ذكره بخبث صنيعهم، وهو كظيم أي كميد من حزين. فأما المؤمن فهو حقيق أن يرضى بما قسم الله له، وقضاء الله خير من قضاء المرء لنفسه .
والموضع الرابع : في سورة الزخرف { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ }. سورة الزخرف آية 17.. يقول تعالى ذكره: ظل وجه هذا الذي بُشِّر بما ضرب للرحمن مثلا من البنات مسودا من سوء ما بُشّر به وهو حزين. كظيم من الغيظ. كما وردت في موضعين آخرين بلفظ غير السواد نصا مثل: { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ }. سورة يونس آية 26.. وقوله تبارك وتعالى: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ }. سورة عبس الآيات 38/41.. المقصود هنا بالقترة السواد الذى يغشى وجوههم يوم القيامة بسبب الكآبة والهم .
في هذه المواضع من القرآن الكريم، يرد استعمال السواد بصورة سلبية واضحة، فهو دائما قرين الكفر والفجور والردة والجهل والكذب على الله، في حين اتسم البياض بسمة إيجابية واضحة في أغلب الآيات التى ورد فيها في القرآن الكريم، فهو دائما قرين الإيمان والطاعة. ومن المؤكد أن العلاقة بين سواد الوجه والمعاني السلبية، ليست كائنة في اللغة من حيث الأصل، بل هي ضرب من ضروب المجاز والعدول باللفظ عن معناه الذى وُضع له، وإلى ذلك ذهب أغلب المفسرين بأن اسوداد الوجه يوم القيامة أو في الدنيا، حين يبشر الجاهل بالأنثى، إنما هو من باب المجاز لا الحقيقة .
فسـواد الوجه كناية عن الحزن. فمن كان أسـود فذلك قدره، ومن تغير لونه إلى الســواد فذلك بما اقترفت يـداه من الكبائر والإثم والذنوب، وفسر القرطبي قوله تبارك وتعالى: { يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ }. سورة الرحمن آية 41.. بأن علامات المجرمين يومئذ سواد الوجه وزرقة العيون. وعلى هذا أصبح متداولا في الثقافة العربية والإسلامية، أن سواد الوجه على وجه الحقيقة أو المجاز إنما هو ضرب من ضروب العقاب على ارتكاب الذنوب .
ومما يروى عن رسول الله r قوله: عن البراء بن عازب قال: خرجنا مع النبي r في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد، فجلس رسول الله r وجلسنا حوله وكأن على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكت في الأرض فرفع رأسه فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثا، ثم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر. ثم يجيء ملك الموت u حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من فيّ السقاء، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعها في يده طرفة عين، حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط .
ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض. قال: فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب؟ فيقولون: فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح لهم، فيشيّعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها، حتى ينتهي به إلى الـسماء السابعة. فيقول الله عز وجل : اكتبوا كتاب
عبدي في عليين وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى . قال: فتعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بُعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله r فيقولان له: وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت فينادي منادٍ في السماء، أن صدق عبدي، فافرشوا له من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة. قال: فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره. قال: ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي .
قال: وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح، فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: يا أيتها اخرجي إلى سخط من الله وغضب. قال: فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وُجدت على وجه الأرض فيصعدون بها، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث فيقولون: فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى ينتهى به إلى السماء الدنيا، فيستفتح له فلا يفتح له. ثم قرأ رسول الله r: { لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ }. سورة الأعراف آية 40.. فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى، فتطرح روحه طرحا ثم قرأ { وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ }. سورة الحج آية 31.. فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدرى، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدرى، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بُعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدرى. فينادى مناد من السماء أن كذب، فافرشوا له من النار وافتحوا له بابا إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول : أبشر بالذي يسـوؤك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول: من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر؟ فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: رب لا تقم الساعة. مسند أحمد بن حنبل ج 4 ص 287 رقم 18557..
ــــ وجاء في تفسير مقاتل: أن المسلم إذا خرج من قبره يوم القيامة نظر أمامه، فإذا هو بإنسان وجهه مثل الشمس يضحك طيب النفس، وعليه ثياب بيض، وعلى رأسه تاج، فينظر إليه حتى يدنو منه، فيقول: سلام عليك، يا ولي الله، فيقول: وعليك السلام من أنت يا عبد الله؟ أنت ملك من الملائكة؟ فيقول: لا والله، فيقول: أنت نبي من الأنبياء؟ فيقول: لا والله، فيقول: أنت من المقربين؟ فيقول: لا والله، فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الصالح أبشرك بالجنة، والنجاة من النار، فيقول له: يا عبد الله، الله أبعلم تبشرني؟ فيقول: نعم، فيقول: ما تريد مني؟ فيقول له: اركبني ! فيقول: يا سبحان الله، ما ينبغي لمثلك أن يركب عليه، فيقول: بلى فإني طال ما ركبتك في دار الدنيا، فإني أسألك بوجه الله، إلا ما ركبتني، فيقول: لا تخف أنا دليلك إلى الجنة.
فيعم ذلك الفرح في وجهه حتى يتلألأ، ويرى النور والسرور في قلبه، فذلك قوله تبارك وتعالي: { وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً }. مسند أحمد بن حنبل ج 4 ص 287 رقم 18557.. وأما الكافر، فإنه إذا خرج من قبره نظر أمامه، فإذا هو برجل قبيح، الوجه أزرق العينين أسود الوجه أشد سوادا من القبر في ليلة مظلمة، وثيابه سود يجر في الأرض تدهده دهدهة الرعد، ريحه أنتن من الجيفة، فيقول: من أنت يا عدو الله؟ ويريد أن يعرض بوجهه عنه، فيقول: يا عدو الله إلىّ إلىّ، وأنا لك اليوم، فيقول: ويحك أشيطان أنت؟
فيقول: لا والله، ولكني عملك، فيقول: ويحك، ما تريد منى؟ فيقول: أريد أن أركبك، فيقول: أنشدك الله، مهلا فإنك تفضحني على رءوس الخلائق، فيقول: والله ما منك بد فطال ما ركبتني فأنا اليوم أركبك، قال فيركبه، فذلك قوله: { وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ }. مسند أحمد بن حنبل ج 4 ص 287 رقم 18557..
***
فـهــــرس أبـــواب الكتـــــاب |
رقم الصفحة |
مقدمة الكتاب . |
1 |
تمهيد . |
2 |
الإسلام والبشرة السود . |
9 |
الجنس الأبيض . وما ميزه الله سبحانه وتعالي به . |
|
الجنس الأصفر . وما ميزه الله سبحانه وتعالي به . |
|
الجنس الأسود . وما ميزه الله سبحانه وتعالي به . |
|
الجنس الأحمر . وما ميزه الله سبحانه وتعالي به . |
|
الآيات والأحاديث وما تعلق منها بالألوان . |
15 |
ذكر خبر نوح عليه السلام وأولاده وبداية ظهور السواد . |
29 |
التفاضل والتمايز بين الألوان . |
31 |
ما جاء عن البيض والسمر في تعبير الرؤيا . |
|
ما جاء في صفات ومزايا وعيوب صاحبات البشرة البيضاء . |
35 |
ما جاء في صفات ومزايا وعيوب صاحبات البشرة الشقراء . |
|
الشقراوات أقل ذكاء .! |
|
ما جاء في صفات ومزايا وعيوب صاحبات البشرة القمحية . |
36 |
ما جاء في صفات ومزايا وعيوب صاحبات البشرة السمراء . |
|
الفرق بين العرق واللون في فوائد ومضار اختلاف لون البشرة صحيا . |
38 |
البشرة السمراء أقل عرضة للتجاعيد . |
39 |
المرأة السمراء أقل عرضة للإصابة بالصرع والاكتئاب من البيضاء . |
40 |
المرأة السمراء أكثر رغبة في العلاقة الحميمية عن البيضاء . |
|
أهمية العناية بالبشرة السوداء . |
41 |
مواصفات ومقاييس الجمال واختلافها بين المجتمعات . |
42 |
في المجتمع العربي . |
|
ومما جاء أيضا في أوصاف النساء . |
|
وقيل ثلاثة مطالب في أوصاف المرأة المحمودة . |
46 |
ويستحب الرقة منها في أربعة مواضع . |
|
ولكنهم جميعاً اتفقوا على أن المكروهة من النساء . |
48 |
أقوال وغزل وشعر ونثر ونوادر في البيض والسود والسمر . |
|
قصة الست جوار البيضاء والسوداء والسمينة والهزيلة والصفراء والسمراء |
50 |
خاتمة الكتاب . |
131 |
كتب للمؤلف . |
132 |
المراجع والمصادر . |
145 |